في ظل الجدل المتواصل حول أوضاع التعليم الأولي في المغرب، وجهت جمعية “أجيال الغد” رسالة إلى وزارة التربية الوطنية تطالب فيها بإدماج التعليم الأولي ضمن المنظومة التربوية الرسمية. وأشارت الجمعية إلى أن ترك هذا القطاع في عهدة الجمعيات والمبادرات المحلية أدى إلى اختلالات واضحة في الجودة، وأضعف من موقع المربين اجتماعيا ومهنيا.
وأكدت الجمعية، في مراسلتها التي اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية، أن الإنصاف التربوي يبدأ من السنوات الأول؛ ما يستدعي اعترافا مؤسساتيا كاملا بهذا المستوى التعليمي.
وشددت المراسلة سالفة الذكر على أن الوضع الحالي للتعليم الأولي، الذي يعتمد بشكل كبير على الجمعيات والمبادرات المحلية، قد أدى إلى تفاوتات في جودة التعليم والخدمات المقدمة للأطفال في هذه المرحلة الحساسة.
كما نبهت الوثيقة ذاتها إلى أن المربين في هذا القطاع يعانون من ضعف في الاعتراف المهني والاجتماعي؛ مما يؤثر سلبا على أدائهم واستقرارهم الوظيفي.
ودعت الوزارة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإدماج التعليم الأولي ضمن المنظومة التربوية الرسمية، وتوفير الدعم والتأطير اللازمين لضمان جودة التعليم في هذه المرحلة.
أوضاع هشة
كريمة سرحان، خبيرة في الشؤون التربوية لدى جمعية “أجيال الغد” ومؤطرة سابقة في التعليم الأولي بإقليم خنيفرة، عبّرت عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع التي يشتغل فيها مربّو ومربيات هذا القطاع الحيوي، واصفة إياه بـ”المنسي” رغم كونه يشكّل القاعدة الأساسية لأي إصلاح تربوي فعلي.
وأوضحت سرحان، في تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن أغلب العاملين في التعليم الأولي يشتغلون خارج أي إطار قانوني يضمن الحد الأدنى من الكرامة المهنية؛ فهم غالبا دون عقود رسمية، ولا يستفيدون من التغطية الصحية أو الحماية الاجتماعية، ويُحرمون أحيانا من أجورهم لأشهر متتالية.
وأضافت الخبيرة في الشؤون التربوية أن تدبير هذا النمط من التعليم عبر الجمعيات، رغم أهميته في بعض السياقات، يبقى هشا في غياب تمويل قار وتأطير بيداغوجي ممنهج، مشيرة إلى أن ضعف الإمكانيات والوسائل يجعل من جودة التكوين والتأطير تحديا يوميا، يتحمّله المربون وحدهم.
كما اعتبرت المتحدثة أن واقع التعليم الأولي لا يمكن إصلاحه دون إدماج مؤسسي مباشر في المنظومة التعليمية الوطنية، مبرزة أن الاعتراف القانوني بالعاملين فيه وضمان استقرارهم المهني هو مفتاح تحسين شروط تمدرس الأطفال في سنواتهم الأولى.
تأسيس مبكر
من جانبها، شددت السعدية أمزول، أستاذة مادة التربية الأسرية وفاعلة جمعوية بمدينة مكناس، على أن أي إصلاح حقيقي للمدرسة العمومية لا يمكن أن ينجح دون تمتين القاعدة التي يمثلها التعليم الأولي، معتبرة أن الطفل الذي يلتحق بالتعليم الابتدائي دون أن يستفيد من تأهيل قبلي مناسب يكون أكثر عرضة للتأخر في التحصيل وقد يصبح خارج المسار الدراسي في وقت مبكر.
وأكدت أمزول ، ضمن تصريحها لهسبريس الإلكترونية، أن السنوات الأولى من التمدرس تُمثل لحظة حاسمة في التكوين المعرفي والنفسي للطفل؛ وهو ما يتطلب مقاربة مؤسساتية شاملة وعادلة.
وأضافت الفاعلة الجمعوية أن الواقع الحالي يكشف عن اختلالات واضحة على مستوى التكوين والبنيات التربوية المعتمدة، خصوصا مع غياب منهاج وطني موحد يضمن الحد الأدنى من الجودة والإنصاف.
وأوضحت المتحدثة أن العديد من الجمعيات التي تشرف على تدبير التعليم الأولي تشتغل في ظل إمكانيات محدودة؛ ما يؤثر على المردودية التربوية ويُكرّس تفاوتا بنيويا بين الفئات الاجتماعية والمجالية.
ودعت إلى بلورة إطار مرجعي موحد ومُلزم، يترافق مع سياسة واضحة لتحفيز الموارد البشرية العاملة في هذا القطاع، ماديا وبيداغوجيا، باعتبارهم فاعلين مركزيين في تحقيق العدالة التربوية.
تحديات الإدماج
مصدر مسؤول بإحدى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال إن وزارة التربية الوطنية تدرك تماما الإشكالات المرتبطة بالتعليم الأولي، وتسعى إلى إدماجه تدريجيا ضمن العرض التربوي العمومي؛ من خلال توسيع الشراكات وتحسين التأطير، خصوصا في المناطق القروية.
وأضاف المصدر، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الوزارة تعمل حاليا على إعداد دفاتر تحملات جديدة وتوفير تكوينات مؤطرة لفائدة المربّين والمربّيات؛ غير أن حجم الخصاص وتعدد المتدخلين يشكلان عائقا أمام تفعيل إدماج شامل وفعّال لهذا المستوى التعليمي.
وأكد أن هناك مدارس عمومية، حتى في الوسط القروي، تتوفر بالفعل على أقسام للتعليم الأولي؛ ما يبرز مجهودات الوزارة في ضمان تكافؤ الفرص بين الأطفال في مختلف جهات المملكة، مع الالتزام بمواصلة الإصلاح رغم الإكراهات القائمة.
0 تعليق