قال فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، إنه “توطيدا لدولة المؤسسات، عمل دستور المملكة على دسترة عدد من المؤسسات والهيئات، خاصة هيئات الحكامة الجيدة”، مبرزا أن “دسترتها تدخل في إطار تدعيم استقلاليتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يعد أساسا جوهريا لضمان فاعلية هذه الهيئات وحصانتها من التأثيرات، وبالتالي تمكينها من أداء مهامها بنزاهة وموضوعية، خاصة إذا كانت تتعلق بالرقابة، أو حماية الحقوق، أو تنظيم الحياة العامة”.
وأضاف لقجع في جواب كتابي موجه للمستشارين المصطفى الدحماني وبن فقيه محمد عن فريق التجمع الوطني للأحرار بالغرفة البرلمانية الثانية: “عملا بمبدأ فصل السلط، تضع هذه الهيئات ميزانياتها وتنسق مع الحكومة لتسجيل الاعتمادات المالية المرصودة بميزانياتها في ميزانية الدولة”، وتابع: “يشكل إدراج الميزانيات وكذا الاعتمادات المخصصة للمؤسسات والهيئات الدستورية في ميزانية الدولة انعكاسا للمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 77 من الدستور القاضي بالالتزام بتوازن مالية الدولة”.
وأكد المسؤول الحكومي أنه “بصفة عامة، تتحقق الاستقلالية المالية للمؤسسات الدستورية من خلال توفر الشروط المتمثلة في إعداد الميزانية بشكل مستقل والحصول على الاعتمادات اللازمة مباشرة من الميزانية العامة للدولة والتصرف الحر في الموارد وفقًا لاحتياجاتها، فضلا عن الخضوع لرقابة خاصة لتنفيذ الميزانية”، وزاد: “يتوافق التنظيم المالي المنبثق عن القوانين المؤطرة للمؤسسات والهيئات الدستورية الوطنية مع هذه الشروط”.
ووضح الوزير عينه أنه “على مستوى إعداد الميزانية، أرسى المشرع آليات مستقلة لتحضير الميزانية تتراوح بين تكليف الأمين العام للمجلس كما هو الحال في القانون المتعلق بمجلس المنافسة، حيث يقوم الأمين العام بتحضير مشروع الميزانية الذي يعرض على موافقة المجلس”، وواصل: “بالنسبة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فيضطلع رئيس الهيئة باقتراح مشروع الميزانية السنوية للهيئة وعرضه على مجلس الهيئة للمصادقة عليه”.
أما بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أكد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية أنه “تم التنصيص على مهمة إعداد وتنفيذ الميزانية السنوية للمجلس، التي تحدد توقعات المداخيل والنفقات السنوية للمجلس ولهيئاته ضمن المهام المسندة لرئيس المجلس”، موضحا أنه “بالنسبة لمؤسسة الوسيط، يضطلع الوسيط بإعداد ميزانية المؤسسة باتفاق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية. كما أن قانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان أسند لرئيس المجلس مهمة إعداد ميزانية المجلس باتفاق مع السلطة الحكومية المكلفة بالمالية”.
وبخصوص العنصر المرتبط بالحصول على الاعتمادات اللازمة مباشرة من الميزانية العامة، أشار لقجع إلى “أنه بينما تتوفر مؤسسات دستورية على فصول ميزانياتية خاصة، تستفيد مؤسسات وهيئات دستورية أخرى من إعانات من ميزانية الدولة، فضلا على توفرها على موارد ذاتية مترتبة عن نشاطها أو متأتية من الهبات والوصايا التي يمكن أن تحصل عليها والتي ليس من شأنها التأثير على استقلاليتها”.
وشدد في هذا السياق على أن “الحكومة تحرص على برمجة وتنفيذ المخصصات المالية لفائدة هذه الهيئات طبقا لمقترحاتها، سواء في إطار الفصول الميزانياتية الخاصة، أو الدفوعات من ميزانية الدولة”، وتابع: “فيما يتعلق بالتصرف الحر، يعتبر رئيس الهيئة أو المجلس أو المؤسسة الدستورية آمرا بالصرف، ويمكنه، عند الاقتضاء، أن يعين آمرين مساعدين بالصرف”.
أما على صعيد تمتيع المؤسسات والهيئات الدستورية برقابة خاصة لتنفيذ ميزانياتها، قال لقجع: “عموما، يتولى محاسب عمومي ملحق لدى هذه المؤسسات والهيئات القيام بالاختصاصات التي تخولها القوانين والأنظمة للمحاسبين العموميين”، وأضاف: “كما تخضع قوانين جل الهيئات والمؤسسات ميزانياتها لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات”.
وسجل أن “هذه المقاربة المعتمدة وطنيا تتماشى مع عدد من التجارب المقارنة على الصعيد الدولي، وخاصة الدول المنتمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، وتابع: “فيما يتعلق بالنموذج الألماني، تدرج ميزانية المؤسسات الدستورية الألمانية، مثل البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) والمجلس الاتحادي (البوندسرات) والمحكمة الدستورية الفيدرالية، ضمن قانون المالية الفيدرالي الذي يصوت عليه البرلمان الاتحادي سنوياً، حيث يتم اقتراح ميزانياتها من طرف الحكومة الفيدرالية مع احترام الاستقلالية الوظيفية لهذه المؤسسات”.
ومضى قائلا: “على سبيل المثال تتمتع المحكمة الدستورية الفيدرالية باستقلال مالي معزّز نظراً لدورها كضامن للدستور حيث تقوم بإعداد ميزانيتها بنفسها، وتحيلها على وزارة المالية التي تدمجها ضمن مشروع قانون المالية”، وتابع: “يضطلع ديوان المحاسبة الفيدرالي بمراقبة استخدام المالية العمومية، بما في ذلك تلك المخصصة للمؤسسات الدستورية. وذلك على الرغم من تمتع هذه المؤسسات بهوامش تدبيرية هامة لمواردها”.
وفي الجانب الإقليمي، أي بعض الدول المنتمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سجل أنه “يتم تخصيص اعتمادات من ميزانية الدولة لفائدة المجالس والهيئات الدستورية المتمتعة بالاستقلالية الإدارية والمالية على أساس حاجياتها من التمويل المقترحة من قبلها مع مراعاة توازن ميزانية الدولة”، مبرزا أن “ميزانياتها تُضمن في إطار ميزانية الدولة، كما تخضع إجراءات التصرف فيها لمقتضيات قوانين خاصة كما هو الحال في تونس والأردن”.
وأجمل المتحدث قائلا: “ينبع خضوع ميزانيات المؤسسات الدستورية، بما فيها مجلسا البرلمان، لنفس النصوص القانونية المؤطرة للميزانية والمالية العمومية، انطلاقا من مبدأي الالتزام بالقانون والشفافية المالية والحكامة وقناعتها أن الأمر يتعلق بضوابط موضوعية لا تخل بالتقيد التام بمبدأ فصل السلط”، وأكثر من ذلك، فإن عددا من المؤسسات الدستورية انخرطت، حسب لقجع، “إراديا في ورش نجاعة الأداء حيث تعد وثائق نجاعة أدائها”، وخص بالذكر في هذا الباب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
0 تعليق