عيد الأضحى جاء استثنائيا بكل المقاييس في المغرب، اليوم السبت، ليس فقط بسبب غياب شعيرة النحر التي اعتاد المغاربة على ممارستها كل سنة؛ بل أيضا بسبب الزخم الكبير الذي طبع منصات التواصل الاجتماعي منذ الساعات الأولى من هذا الصباح. فقد تحولت منصات “تيك توك” و”إنستغرام” و”تويتر” إلى فضاءات لنقاشات حية، تعكس مزيجا من التفاعل الشعبي والذهول والارتباك أحيانا تجاه واقع عيد جاء مختلفا عن العادة وجعل من الرقمي ملاذا رئيسيا للتعبير عن الآراء والمشاعر والطرائف.
الموضوع الأبرز الذي شغل حيزا كبيرا من التفاعل كان بلا شك غياب النحر، والنقاشات حول الموضوع طالت أبعادا شرعية واجتماعية واقتصادية؛ وفي “تويتر” ظهرت تحليلات وتقاطعات بين القرار وظاهرة تغير المناخ وأزمة الأعلاف؛ بينما ركز البعض الآخر على تأثير القرار على الأسر الفقيرة التي كانت ترى في عيد الأضحى مناسبة لتلقي اللحوم، بينما شارك مؤيدون لهذا التوجه بآراء تعتبر أن العيد لا يرتبط فقط بالنحر؛ بل بروح التضامن وصلة الرحم، مؤكدين أن هذه السنة قد تكون فرصة لمراجعة طقوس العيد من زاوية واقعية ومسؤولة.
أما على “تيك توك” فقد طغت السخرية على الخطاب، حيث لجأ العديد من صناع المحتوى إلى توظيف الدعابة في تصوير مشاهد خيالية لأجواء العيد من دون أضحية .. مقاطع تمثيلية وأغانٍ معدلة وسيناريوهات عائلية مفترضة اجتاحت المنصة، وحققت نسب مشاهدة عالية، وقد بدا واضحا أن “الكوميديا الرقمية” أصبحت وسيلة للتنفيس الجماعي، وأداة فعالة في التعامل مع التحولات الطارئة.
وفي “إنستغرام” تقاسمت العائلات المغربية صورا توثق الأجواء الخاصة داخل البيوت، من تحضير الأطباق التقليدية إلى ارتداء اللباس المغربي وزيارة الأقارب، على الرغم من غياب رائحة الشواء وصوت السكاكين، وصار العيد ظل حاضرا في مظاهره الاجتماعية، وإن بصيغ جديدة؛ مما يعكس قدرة المجتمع على التكيّف والحفاظ على معاني الفرح.
بعيدا عن السجال والنكتة عرفت منصات السوشلميديا، أيضا، التعريف بمبادرات التضامن والتبرع من قبل جمعيات وأفراد، لتعويض بعض الأسر عن غياب الأضحية أو لمساعدتها على إحياء طقوس عيد الأضحى، وتم تداول منشورات تحث على تقاسم وجبات المناسبة، وتوثيق لحظات العطاء؛ ما أظهر الوجه التضامني الأصيل للمجتمع المغربي في هذا الظرف استثنائي.
فضلا عن التوثيق اللحظي للأجواء الأسرية وطقوس العيد، برزت على منصات التواصل الاجتماعي مشاركة قوية للجمهور في مسابقات ومبادرات رقمية أطلقتها مؤسسات إعلامية وعلامات تجارية وصفحات رقمية، وامتلأت القصص والمنشورات بتحديات مرحة، مثل: “أجمل كسوة عيد”، أو “أجمل مائدة فطور مغربية”، أو حتى “أطرف موقف في صباح العيد”؛ ما خلق تفاعلا جماعيا واسعا، وأتاح للمستخدمين فرصة الظهور والتعبير بطريقة مرئية وخفيفة.
بعض الصفحات ذهبت أبعد من ذلك عبر البث المباشر لأجواء العيد من مدن مختلفة، أو تغطية احتفالات الجاليات المغربية في الخارج؛ مما عزز الإحساس بالانتماء المشترك، رغم اختلاف الجغرافيا.
ولعل اللافت للأنظار هذه السنة يتمثل في تنامي حضور الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى بمناسبة عيد الأضحى، من خلال تصاميم تهنئة مخصصة، وصور تم تعديلها رقميا لتبدو “احترافية”، ما يدل على أن العالم الرقمي لم يعُد فقط منصة للتفاعل، بل أيضا مساحة إنتاج رمزية توازي العالم الحقيقي.
0 تعليق