تفكيك شبكة حزب الله اللوجستية في أوروبا.. تهديدات وتمويل مشبوه عبر ألمانيا وفرنسا

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كشفت السلطات الأمنية في ألمانيا وفرنسا خلال الايام الماضية عن تفكيك شبكة لوجستية معقدة تنتمي لحزب الله اللبناني، تعمل داخل أوروبا عبر عدة دول، وتستخدم واجهات تجارية ومنظمات غير حكومية كغطاء لتمويل أنشطتها المشبوهة. تأتي هذه العملية الأمنية ضمن سلسلة من الإجراءات المكثفة التي تستهدف تقويض حضور الحزب في القارة الأوروبية، بعد تزايد مخاوف أجهزة الأمن من تنامي نفوذ التنظيم وتأثيره على الأمن الداخلي للدول الأوروبية.

تشير هذه الحملة إلى تصاعد التهديدات التي تشكلها شبكات حزب الله في أوروبا، والتي لا تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل تشمل أيضًا أنشطة تهريب الأسلحة، التجنيد، والدعاية السياسية والدينية. وتبرز التحقيقات كيف أن هذه الشبكات استطاعت استغلال الأطر الاجتماعية والثقافية للمجتمعات اللبنانية والشيعية في أوروبا لتنظيم نشاطاتها، مما يجعلها تحديًا أمنيًا معقدًا يتطلب استجابة متعددة الأبعاد.

تمثل هذه الواقعة انعكاسًا لأهمية تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الأوروبية، لاسيما في ظل الطبيعة العابرة للحدود للنشاطات الإرهابية والجماعات المسلحة. فشبكات التمويل والتجنيد التي تعمل من خلف الكواليس تستغل الثغرات القانونية والإجرائية لتعزيز نفوذها، مما يستدعي تطوير آليات مواجهة شاملة تدمج بين القانون، الأمن، والسياسة.

في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل تفكيك الشبكة اللوجستية لحزب الله في أوروبا، آليات عملها وأساليب تمويلها، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات، والتحديات المستقبلية التي تفرض نفسها على المشهد الأمني الأوروبي في مواجهة مثل هذه التنظيمات. الهدف هو تسليط الضوء على خطورة هذه الشبكات وأهمية استمرار التصدي لها للحفاظ على الأمن والاستقرار في القارة.

 

خلفية الشبكة وأهدافها

تشير التحقيقات الأمنية التي أجرتها السلطات الألمانية والفرنسية إلى أن الشبكة التي تم تفكيكها في يونيو 2025 كانت تشكل مركزًا لوجستيًا هامًا لحزب الله داخل أوروبا، حيث اعتمدت بشكل رئيسي على استغلال المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات الشبابية في ألمانيا وفرنسا كمقرات لتنسيق عمليات جمع الأموال وتحويلها إلى لبنان لدعم أنشطة الحزب العسكرية والسياسية. وتوضح هذه التحقيقات أن هذه المراكز لم تقتصر على كونها أماكن عبادة فحسب، بل كانت تُستخدم كواجهات لتشغيل شبكة معقدة من التمويل غير المشروع والتجنيد 

وفقًا للوثائق الاستخباراتية التي حصلت عليها السلطات الأوروبية، كانت هذه الشبكة تحت إشراف مباشر من قيادة حزب الله في لبنان، قبل اغتيال الأمين العام السابق حسن نصر الله في سبتمبر 2024. وقد تبين أن القيادة المركزية للحزب كانت توجّه العمليات اللوجستية والمالية، وتتابع عن كثب حركة الأموال والأسلحة التي تمر عبر الحدود الأوروبية إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط. وتعكس هذه التفاصيل الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الشبكة في الحفاظ على استمرارية دعم حزب الله في الداخل والخارج 

من بين الأدوات التي استخدمتها الشبكة لجمع التمويل، اعتمدت على أنشطة تجارية مشبوهة وشبكات تحويل أموال غير رسمية، إلى جانب جمع تبرعات من خلال مؤسسات وجمعيات تعلن عن نشاطات خيرية وثقافية. واستهدفت الشبكة بشكل خاص الجاليات اللبنانية والشيعية في ألمانيا وفرنسا، مستغلة الروابط الاجتماعية والدينية لتعزيز تحصيل الأموال. كما تبين أن جزءًا من التمويل كان يُستخدم لشراء الأسلحة ومواد متفجرة، إضافة إلى دعم أنشطة التدريب والتجنيد (مصدر: قناة العربية).

هذه الشبكة اللوجستية كانت تُشغل أيضًا عمليات تهريب للأسلحة وقطع الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى تنسيق الاستقدام غير القانوني لرجال دين شيعة بهدف نشر أفكار الحزب وتوسيع نفوذه بين الجاليات الأوروبية. وتؤكد التقارير الأمنية أن استمرار عمل هذه الشبكة كان يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي في الدول الأوروبية، مما دفع إلى اتخاذ إجراءات أمنية صارمة أدت إلى تفكيكها واعتقال عدد من أفرادها في حملة مشتركة بين ألمانيا وفرنسا 

 

أساليب التمويل والتهريب

اعتمدت الشبكة اللوجستية التابعة لحزب الله في أوروبا على استخدام مؤسسات مالية غير رسمية لتحويل الأموال بشكل سري وممنهج، بعيدًا عن رقابة البنوك الرسمية والهيئات الرقابية الأوروبية. هذه المؤسسات غالبًا ما كانت تدار من قبل أفراد مرتبطين بالجماعة، حيث تمكنوا من تمرير ملايين اليوروهات عبر تحويلات مالية صغيرة متعددة لتجنب الكشف، مما ساعد في تمويل أنشطة الحزب في لبنان وخارجها 

إلى جانب التحويلات المالية، لجأت الشبكة إلى تهريب المخدرات عبر موانئ رئيسية في أوروبا مثل روتردام في هولندا، وأنتويرب في بلجيكا، وهامبورغ في ألمانيا، التي تعد من أكبر مراكز النقل البحري في القارة. تم استخدام هذه الموانئ كقنوات رئيسية لتمرير شحنات مخدرات مخفية ضمن حاويات تجارية، الأمر الذي ساعد في تمويل نشاطات الحزب وتعزيز شبكة الاتجار غير المشروع 

كما تبين أن الشبكة استثمرت في العملات الرقمية المشفرة كأداة فعالة في تبييض الأموال وتمويل عملياتها بشكل يصعب تتبعه. وتحديدًا، استغلت علاقاتها المالية مع النظام الفنزويلي، الذي شهد تدفقًا كبيرًا للعملات المشفرة في الآونة الأخيرة، لتسهيل تحويل الأموال عبر الحدود دون رقابة مباشرة من السلطات الأوروبية والدولية.

علاوة على ذلك، استخدمت الشبكة الأموال التي جُمعت بهذه الطرق لتعزيز إمدادات نيترات الأمونيوم، وهي مادة كيميائية تُستخدم بشكل واسع في صناعة المتفجرات. تم تهريب هذه المادة بشكل متكرر عبر القنوات التجارية الشرعية وغير الشرعية، ما يثير مخاوف أمنية كبيرة في أوروبا من احتمال استخدامها في أعمال إرهابية أو عمليات تخريبية.

 

الاعتقالات والإجراءات الأمنية

أسفرت التحقيقات المكثفة التي أجرتها الأجهزة الأمنية في ألمانيا وفرنسا عن اعتقال عدد من الأفراد الذين كانوا يشكلون النواة الأساسية للشبكة اللوجستية التابعة لحزب الله في أوروبا. من بين هؤلاء، تم توقيف "حسن م"، وهو المسؤول الرئيسي عن تنسيق العمليات المالية والتنظيمية داخل ألمانيا، حيث كان يدير عمليات جمع الأموال وتحويلها، بالإضافة إلى تنسيق نشاطات الحزب السرية داخل البلاد. يُعتبر اعتقاله ضربة كبيرة لقدرات التنظيم على العمل ضمن الأراضي الأوروبية.

كما شملت الاعتقالات "فاضل ر"، الذي كان يتولى مهمة استقدام رجال دين شيعة إلى أوروبا بهدف نشر أيديولوجيا حزب الله وتعزيز نفوذه بين الجاليات المسلمة، خصوصًا في ألمانيا. وكان دوره محوريًا في تعزيز وجود الحزب الثقافي والديني داخل المجتمعات المحلية، مما أثار قلق السلطات بشأن تأثيراته على الاستقرار الاجتماعي والتماسك المجتمعي.

أما "فاضل ز"، فقد تم توقيفه للاشتباه في تهريبه قطع طائرات مسيرة (درونز) لاستخدامها في العمليات العسكرية ضد إسرائيل، حيث أشارت التحقيقات إلى أن هذه القطع تم تهريبها عبر طرق معقدة داخل شبكات التهريب التابعة للحزب. ويُعتبر هذا النوع من الأنشطة مؤشراً خطيراً على توسع أبعاد العمليات العسكرية لحزب الله خارج لبنان، وصولًا إلى أوروبا.

في ديسمبر 2024، اتخذت الحكومة الألمانية إجراءات أمنية مشددة بحق حزب الله، حيث أصدرت مرسومًا بحظر بث قناة "المنار" التابعة للحزب، باعتبارها أداة دعائية تحرض على العنف وتروج لأفكار متطرفة. كما أغلقت السلطات عدة مراكز إسلامية مرتبطة بالحزب، من بينها مركز هامبورغ ومسجد الأزرق، ونفذت مداهمات أمنية واسعة شملت أكثر من 50 موقعًا في مختلف أنحاء البلاد، وذلك ضمن حملة أمنية مكثفة تهدف إلى تفكيك شبكة حزب الله وتضييق الخناق على أنشطته في أوروبا.

 

التحديات المستقبلية

على الرغم من الإجراءات الأمنية المكثفة التي اتخذتها السلطات الألمانية وغيرها من الدول الأوروبية، لا تزال شبكة حزب الله السرية تشكل تحديًا معقدًا أمام الأجهزة الأمنية. الحزب يستغل الوسائل القانونية المتاحة، مثل تقديم الطعون القضائية ضد قرارات الحظر والمنع، في محاولة لتثبيت وجوده والضغط على السلطات لتخفيف القيود المفروضة عليه. هذا الأسلوب القانوني يشكل تحديًا إضافيًا أمام الحكومات الأوروبية، التي تجد نفسها مضطرة للتعامل مع نشاطات حزب الله ضمن أطر القانون المدني والقضائي.

يُضاف إلى ذلك أن حزب الله يواجه أزمة داخلية حادة في لبنان، ناجمة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة وانهيار بنيته التنظيمية في الداخل. هذا الانهيار يجبر الحزب على الاعتماد بشكل أكبر على شبكاته الخارجية، وخاصة في أوروبا، لتأمين مصادر تمويل بديلة والحفاظ على نفوذه الدولي. وبالتالي، تشكل هذه الشبكات شريانًا حيويًا لاستمرارية الحزب، مما يرفع من درجة الخطورة الأمنية في القارة الأوروبية.

من ناحية أخرى، يبرز من هذه التجربة الحاجة الملحة لتعزيز التنسيق والتعاون الأمني بين الدول الأوروبية، إذ إن طبيعة الأنشطة الإرهابية العابرة للحدود تستوجب ردود فعل موحدة وسريعة. تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات الأمنية المشتركة بين الدول يمكن أن يشكل درعًا فعالًا في مواجهة محاولات حزب الله وغيره من الجماعات الإرهابية لتعزيز وجودهم على الأراضي الأوروبية.

ختامًا، تظل التحديات الأمنية المرتبطة بشبكات حزب الله في أوروبا مؤشراً واضحًا على ضرورة استمرار تطوير السياسات الأوروبية لمكافحة الإرهاب والتطرف، مع التركيز على تفكيك الشبكات المالية واللوجستية. وهذا يتطلب من الحكومات الأوروبية التزامًا متواصلاً بالتعاون المشترك وتحديث آليات الرقابة الأمنية لمواكبة التطورات المستمرة في أساليب هذه التنظيمات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق