من الفراعنة إلى فينيقيا.. العلاقات المصرية اللبنانية جذور تاريخية وشراكة مستقبلية

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا تكتمل قصة الحضارة الإنسانية دون الحديث عن التلاقي بين مصر ولبنان، حيث بدأت العلاقات المصرية اللبنانية منذ عصر الفراعنة والفينيقيين، منذ أكثر من 3 آلاف عام، نسج البلدان علاقات تجارية وثقافية ودينية، دلت عليها البرديات الفرعونية التي سجلت رحلات تجارية إلى جبيل (بيبلوس) اللبنانية لجلب خشب الأرز لبناء السفن المقدسة، بينما استوردت فينيقيا الكتان المصري الفاخر. 

هذه الروابط لم تكن مجرد تبادل سلع، بل كانت جسرًا للتفاعل الحضاري، حيث انتشرت عبادة الإلهة المصرية "إيزيس" في لبنان، وامتزجت أساطير البلدين في قصة أوزوريس وإيزيس التي جسدت قيمًا إنسانية مشتركة.

إن العلاقات المصرية اللبنانية نموذج حي للتكامل العربي القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل،  فمن الفن إلى الاقتصاد، ومن السياسة إلى الثقافة، يثبت البلدان أن التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص عندما تقترن بالإرادة. وفي ظل عالم يتجه نحو التكتلات الإقليمية، تبقى الشراكة بين القاهرة وبيروت دليلًا على أن الوحدة ليست شعارًا، بل واقعًا تُبنى خطوة بخطوة.

الثقافة والفن.. ذاكرة مشتركة صنعت نهضة عربية

مع نهاية القرن التاسع عشر، تحولت مصر إلى ملاذ للعديد من الرواد اللبنانيين الذين شكلوا معالم النهضة العربية الحديثة، فمن الصحافة إلى المسرح، حملوا المشاعل الأولى للإبداع، حيث أسس الأخوان "سليم وبشارة تقلا" جريدة الأهرام عام 1876، بينما أطلق جورجي زيدان مجلة الهلال، ليصبحا رمزين للصحافة العربية.

وقدم جورج أبيض، رائد المسرح العربي، عروضًا خلّدت اسمه، بينما أسست روز اليوسف (اللبنانية الأصل) مجلة فنية حملت اسمها، وأصبح صالون مي زيادة منتدىً لأعلام الفكر مثل طه حسين وأحمد شوقي.

كما لعبت الفنانات اللبنانيات مثل آسيا داغر دورًا محوريًا في تأسيس السينما المصرية، بينما حملت أغاني فيروز وشادية صوتًا واحدًا للوجدان العربي.

من التلاقي إلى التكامل.. مهرجانات ومؤتمرات مشتركة

لم تكن العلاقات الثقافية مقتصرة على الأفراد، بل تجسدت في مؤسسات وفعاليات كجامعة بيروت العربية التي  أنشئت عام 1960 بدعم مصري، وأصبحت منارة علمية تخرّج آلاف الطلاب.

أما الملتقى الثقافي المصري اللبناني فقد  انعقدت دورته الأولى عام 2016 بمشاركة مثقفين مثل جابر عصفور وخالد زيادة، لتوثيق التراث المشترك ومواجهة تحديات التفكك الثقافي، فيما سلط مؤتمر "مصر في عيون اللبنانيين": سلّط الضوء على التبادل الفني، من فيروز التي غنّت لمصر، إلى مسلسلات مشتركة مثل "اتهام" و"جذور".

مصر ولبنان .. شراكة تكاملية تواجه التحديات

رغم التحديات السياسية، حققت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموًا ملحوظًا في التبادل التجاري الذي  بلغ 643 مليون دولار عام 2018، تصدرت فيه مصر بالمنتجات الزراعية ومواد البناء، بينما استوردت من لبنان الكتب واللدائن.

وتحتل الاستثمارات اللبنانية المركز التاسع في مصر باستثمارات تصل إلى 1.16 مليار دولار، موزعة على 1342 شركة، مثل شركة "Leader Group" للنقل البحري، ومشروعات موسى فريجي الزراعية.

مبادرات لتعزيز التكامل

  • مبادرة "مصر ولبنان إلى أفريقيا" وتهدف لتصدير المنتجات المشتركة إلى القارة السمراء، مستفيدة من الخبرة المصرية في الصناعة والشبكة التجارية اللبنانية.
  • اتفاقيات 2019: وقّعت خلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت 5 اتفاقيات تشمل الاتصالات والاستثمار وتبادل الخبرات الضريبية.
  • مجلس الأعمال المشترك: يهدف لزيادة الاستثمارات عبر مشروعات مثل تدريب الشباب اللبناني في مصر، وإنشاء حاضنات أعمال مشتركة.

دعم مصري متواصل لاستقرار لبنان

كانت مصر أول دولة عربية تعترف باستقلال لبنان عام 1943، واستضافت مفاوضات بشارة الخوري ورياض الصلح لوضع الميثاق الوطني.

وفي عهد عبد الناصر: دعمت مصر لبنان خلال الأزمات الإقليمية، ورفضت تقسيم البلاد وفق الانتماءات الطائفية.

عهد الرئيس  السيسي: استمرار الدور المصري المساند للبنان

وقفت مصر بقوة إلى جانب لبنان خلال انفجار مرفأ بيروت 2020، بإرسال مساعدات طبية ومستشفى ميداني، ودعمت جهود وقف العدوان الإسرائيلي عام 2023، كما شارك الرئيس السيسي في مؤتمر دعم لبنان 2020، داعيًا المجتمع الدولي لمساعدة لبنان في إعادة الإعمار وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

==

مراجع ومصادر التقرير:

  • أوراق الملتقى الثقافي المصري اللبناني (2016، 2019).
  • بيانات وزارة الخارجية المصرية واللبنانية.
  • تقارير المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري.
  • كتابات الباحثين: إبراهيم الديراني، خالد زيادة.
  • تقارير منتدى الاقتصاد العربي (2019).
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق