في خطوة استراتيجية تتجاوز حدود التطلعات الإقليمية، شهدت البحرين توقيع 3 اتفاقيات تعاون محورية بين الشركة العربية لبناء وإصلاح السفن (أسري) ومجموعة موانئ أبوظبي، برعاية من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، رئيس مجلس إدارة «بابكو إنرجيز» حفظه الله.
هذه الاتفاقيات ليست مجرد أوراق تُوقع، بل هي إعلان واضح عن رؤية طموحة لمستقبل البحرين كمركز إقليمي رائد للصناعات والخدمات البحرية المستدامة، وبوابة لتحقيق قفزات نوعية في الاقتصاد الوطني.
وتكمن الأهمية القصوى لهذه المبادرة في قدرتها على إحداث تحول جذري في المشهد الاقتصادي البحريني، حيث إن تأسيس شركة مشتركة لإدارة الأحواض الجافة وبناء السفن، والتعاون في إدارة وتشغيل الموانئ، وإنشاء مرافق لإعادة تدوير السفن بأساليب صديقة للبيئة، تشكل مجتمعة دعائم أساسية لاقتصاد بحري مزدهر ومستدام ومحافظ أيضاً على البيئة. فهذه الخطوات ليست تقليدية، بل تلامس جوهر الاقتصاد الدائري، حيث تتحول النفايات إلى موارد، وتُعزز الكفاءة في استخدام الطاقة والمواد، مما يقلل البصمة الكربونية، ويحمي البيئة البحرية التي هي أساس البحرين وتاريخها ومستقبلها.
هذه الاتفاقيات ذات عوائد متعددة الأوجه، وتلامس كل زاوية من زوايا التنمية الاقتصادية، فهي تحقق هدف تعظيم العوائد الاقتصادية الوطنية من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوسيع نطاق الخدمات البحرية، مع تحقيق تدفق لرؤوس الأموال إلى البحرين، وكذلك التقنيات الحديثة التي برزت مؤخراً في مجالات عديدة، وتساهم هذه الشراكات في ترسيخ مكانة البحرين كمركز لوجستي وبحري إقليمي، حيث سيجعل المملكة نقطة انطلاق مثالية للعمليات البحرية في المنطقة.
ولا يمكن أن تكون هناك مشاريع جديدة إلا ويرافقها عمليات توظيف لكوادر وطنية، وهو ما يركز عليه سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ففي تلك الاتفاقيات يتم خلق فرص عمل عادية ومبتكرة، لأن مجالات إدارة الأحواض الجافة، وبناء وصيانة وإصلاح السفن، وإعادة تدويرها، هي مشروعات تحقق نمواً كبيراً سيولد معه آلاف الوظائف الجديدة للشباب البحريني في تخصصات فنية وهندسية وإدارية دقيقة.
هذا النمو لن يقتصر على الوظائف المباشرة، بل سيمتد ليشمل سلاسل الإمداد والخدمات المساندة، مثل الخدمات اللوجستية، والتأمين البحري، والتدريب المهني، مما يخلق بيئة عمل متكاملة وداعمة. هذا يعني أيضاً تطويراً نوعياً في المهارات الوطنية من خلال نقل المعرفة والخبرات الدولية، مما يرفع من تنافسية الكوادر البحرينية في سوق العمل العالمي.
إن تركيز سمو الشيخ ناصر على بناء اقتصاد مستدام وقائم على المعرفة والابتكار، مع دمج مفاهيم الاقتصاد الدائري، هو ما يميز هذه المبادرات، ويجعلها نموذجاً يحتذى به في المنطقة، ولذلك أرى في هذه الاتفاقيات أنها ليست مجرد تعاقدات تجارية، بل هي استثمار في مستقبل البحرين، وشهادة على أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها الاقتصادية 2030، وإثبات على قدرتها في أن تكون مركزاً بحرياً يقود المنطقة نحو اقتصاد أزرق أكثر ازدهاراً واستدامة.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
0 تعليق