تُعدّ المعالجة البيولوجية للمخلفات واحدة من أكثر الأساليب الحديثة صداقةً للبيئة في إدارة النفايات؛ إذ تعتمد على استغلال الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا والفطريات) أو النباتات أو الإنزيمات؛ لتحويل المواد العضوية الخطرة أو المُلوثة إلى مركّبات أقل سُمّية أو حتى غير سامة.
وتُسهم هذه العملية في تحويل النفايات إلى منتجات جديدة قابلة للاستعمال أو إلى مصادر طاقة نظيفة. كما تساعد على حماية البيئة من التلوث، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة، ودعم جهود التنمية المستدامة.
وتحظى هذه التقنية بأهمية خاصة في ظل تزايد التحديات البيئية وتغير المناخ؛ إذ تقدّم حلولًا مبتكرة لإدارة المخلفات وتحويلها من عبء بيئي إلى فرصة اقتصادية.
وفي هذا الإطار، كشفت دراسة حديثة، أعدّها فريق بحثي مصري -اطّلعت على تفاصيلها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- عن الأهمية المتزايدة لتقنيات المعالجة البيولوجية للمخلفات بصفتها وسيلة فعّالة لتقليل التلوث البيئي وتوفير مصادر طاقة نظيفة ومتجددة.
الاقتصاد الدائري
أشارت الدراسة التي أجراها فريق بحثي بقيادة الأستاذة المساعدة في الميكروبيولوجيا التطبيقية بهيئة الطاقة الذرية وعضوة الفريق البحثي لدى شركة "تريل ري" لإعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، الدكتورة ياسمين حسنين، إلى أن الاقتصاد الدائري يعتمد على مفهوم أساسي، وهو تحويل المخلفات إلى موارد جديدة.
وبدلاً من التخلص من النفايات عبر المكبات أو الحرق، يمكن إعادة تدويرها ومعالجتها لتقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية.
وأبرزت الدراسة أن الممارسات التقليدية في البلدان منخفضة الدخل، مثل حرق المخلفات أو دفنها في مكبات غير صحية، تُسهم بصورة كبيرة في تفاقم أزمة المناخ من خلال إطلاق غازات الدفيئة (الميثان، وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروجين).
وحذّرت الدراسة من أن غاز الميثان الناتج عن المخلفات العضوية يتمتع بقدرة على التسخين العالمي تزيد بنحو 25 مرة عن ثاني أكسيد الكربون، ما يعزّز خطر الاحتباس الحراري وتداعياته من جفاف وتلوث وحرائق شديدة وذوبان الجليد القطبي.
تصنيف المخلفات
صنّفت الدراسة المخلفات إلى 3 أنواع:
- بحسب الخطورة: مخلفات خطرة وأخرى غير خطرة.
- بحسب النوع: مخلفات صلبة وأخرى سائلة.
- بحسب المصدر: مخلفات المنازل، والمصانع، والشركات، والزراعة، إلى جانب المخلفات الطبية والتعدينية.
وأوضحت الدراسة أن الإدارة الفعّالة لهذه المخلفات تتطلّب حلولًا مبتكرة، أبرزها المعالجة البيولوجية، لافتة إلى أنها تُعد من أكثر الحلول استدامة وأمانًا بيئيًا.
وتعتمد هذه التقنية على الكائنات الدقيقة (البكتيريا والفطريات) أو النباتات أو الإنزيمات لتحطيم الملوثات إلى مركبات أقل سمية أو غير سامة، أو تحويلها إلى طاقة نظيفة مثل الغاز الحيوي (الميثان والهيدروجين).
وأوضحت الدكتورة ياسمين حسنين، في دراستها، أن هذه التقنية تقوم على توفير بيئة مناسبة للكائنات الدقيقة لتنمو وتستهلك الملوثات.
فعلى سبيل المثال، عند معالجة المخلفات العضوية (مثل بقايا الطعام وقشور الفاكهة)، تستعمل الكائنات الدقيقة عملية التخمر اللاهوائي لإنتاج الهيدروجين، وهو وقود نظيف يمكن استعماله في تشغيل السيارات، إلى جانب إنتاج مركبات أخرى مثل الميثان والسماد العضوي.
فوائد المعالجة البيولوجية
أكدت الدراسة أن عملية المعالجة البيولوجية للمخلفات تتسم بعدة فوائد أبرزها: حماية الماء والهواء والتربة من التلوث، والحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق المخلفات.
كما تُسهم هذه التقنية في تقليل استنزاف الموارد الطبيعية بنسبة تصل إلى 70%، والعمل على خفض مسببات تغير المناخ، وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال تحويل النفايات إلى موارد قابلة للتسويق.
وأشارت الدراسة إلى أن هناك علماء دوليين يعملون -أيضًا- على تطوير هذه التكنولوجيا؛ إذ توصل باحثون في أوروبا إلى أن الميكروبات يمكنها تحويل المخلفات العضوية إلى هيدروجين وميثان ومواد تدخل في صناعة الأدوية والسماد العضوي.
وتُعد هذه الابتكارات قفزة كبيرة نحو تحويل التحديات البيئية إلى فرص استثمارية جديدة.
وأوصت الدراسة بضرورة الاستثمار في تقنيات المعالجة البيولوجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ودعت إلى مزيد من التعاون بين المؤسسات البحثية والصناعية لتسريع التحول إلى الاقتصاد الدائري، والحد من آثار التغير المناخي.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق