يتواصل النزيف الإنساني في قطاع غزة وسط تصاعد الصراع وتفاقم الأوضاع، في ظل اتهامات متزايدة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب تُعد من بين الأخطر في العصر الحديث، وفقًا لما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
ويقول مراسل الهيئة، جيريمي بوين، إن الردود الدولية المتباينة تجاه هذه الانتهاكات قد تلاحق الحكومة الإسرائيلية والدول الداعمة لها لسنوات مقبلة، بينما تتصاعد الدعوات إلى المساءلة القانونية في خضم كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وقد تفجّرت الأزمة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023، وتحوّل الرد العسكري الإسرائيلي إلى كارثة إنسانية شاملة، أسفرت – بحسب وزارة الصحة في غزة – عن استشهاد أكثر من 54،607 فلسطينيين وإصابة 125،341 آخرين حتى 4 يونيو 2025، بينهم 14،500 طفل وقرابة 17،000 يتيم أو طفل مفصول عن ذويه، بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
الحصار والمجاعة
تحت الحصار المشدد الذي تفرضه إسرائيل، حذّر مسؤولون بريطانيون من أن التجويع يُستخدم كسلاح حرب، في خرق واضح لاتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المدنيين.
وأدى الحصار إلى دفع القطاع نحو حافة المجاعة، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية الطبية، إذ تعمل مستشفيات غزة بأقل من 10% من طاقتها، وتُسجل حالات وفاة بسبب غياب الأدوية والرعاية الأساسية، بحسب توثيقات طبية ونشطاء عبر منصات التواصل.
وفي الوقت الذي تناشد فيه منظمات مثل "أطباء بلا حدود" والهلال الأحمر الفلسطيني بفتح ممرات إنسانية، تتعرض الطواقم الطبية نفسها للقصف، خاصة في مدينة رفح، حيث يُمنع إسعاف الجرحى أو نقلهم إلى مناطق آمنة.
نزوح جماعي ودمار هائل
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، نزح نحو 1.9 مليون فلسطيني – أي ما يعادل 90% من سكان غزة – من مناطقهم، في ظل دمار طال 70% من البنية التحتية.
ووثقت تقارير ميدانية مشاهد قاسية لعائلات بلا مأوى أو غذاء أو مياه، وأطفال ينامون في العراء على التراب، وسط أجواء حرب مفتوحة لا تفرّق بين مدني ومقاتل.
تحقيقات دولية واتهامات بالإبادة الجماعية
قانونيًا، فتحت المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تحقيقات في مزاعم جرائم حرب وجرائم إبادة، استنادًا إلى تقارير من منظمات حقوقية بارزة، أبرزها تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في ديسمبر 2024، والذي وصف الوضع في غزة بأنه "أحد أسوأ أشكال الإبادة الجماعية والتجويع في العصر الحديث".
في المقابل، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سياسات حكومته، مؤكدًا أن إسرائيل "تحارب الإرهاب"، واصفًا الاتهامات بأنها "معاداة للسامية"، إلا أن مراقبين يؤكدون غياب أي سلطة أمنية فعلية في القطاع، مع إصرار إسرائيل على تجميع السكان في مناطق ضيقة وتواصل عمليات القصف والإخلاء القسري.
انقسام في المواقف
ورغم تزايد الإدانات الدولية، تعثرت الجهود الدبلوماسية لإيقاف النزاع بسبب الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.
ومع ذلك، بدأت دول مثل النرويج وإسبانيا في المطالبة بفرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية، بينما وصف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في تصريح له مطلع يونيو الجاري، التصرفات الإسرائيلية بأنها "غير مقبولة"، داعيًا إلى وقف العنف فورًا.
ويبقى الوضع في غزة معلقًا بين الألم والمجهول، وسط استمرار القصف وتفاقم الكارثة الإنسانية، وغياب أي بوادر لحل سياسي شامل يُنهي مأساة ممتدة ويعيد الاعتبار لمبادئ القانون الدولي.
0 تعليق