رؤية يكتبها: منير أديب
اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهيو بأنه يقوم بتسليح ميلشيات متطرفة تتعاون مع "داعش" بهدف القضاء على حماس في قطاع غزة، يُعزز المخاوف بشأن صعود التنظيم الأكثر تطرفًا على خلفية هذا الدعم الواضح من قبل الحكومة الإسرائيلية، خاصة وأنّ المنطقة العربية تعيش حالة من الفوضى مثلت ملاذًا آمنًا لكل جماعات العنف والتطرف، وقد تكون الحرب الإسرائيلية التي اندلعت منذ أكثر من عشرين شهرًا جزءًا من هذه الحالة.
في الحقيقة المجتمع الدولي، ودول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا سبقا واستعانا بتنظيمات العنف والتطرف لأهداف سياسية وعسكرية ومعهما روسيا في وقت لاحق، فواشنطن التي دعمت المقاتلين العرب في الحرب الأفغانية في العام 1979، الذين شكلوا فيما بعد تنظيم قاعدة الجهاد كان من أجل مواجهة الإتحاد السوفيتي، الذي دعم هو الآخر ما سُمى بالجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين، التي شكلها هؤلاء المتطرفين في نهاية تسعسنات القرن الماضي، والتي استهدفت واشنطن، وهنا يبدو استخدام أمريكا وروسيا لهذه التنظيمات على حد سواء.
بريطانيا الدولة العظمى دعمت كبرى حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، بهدف ابتلاعها واستخدامها في نفس الوقت، استثمار لندن كان منذ الوقت المبكر من عمر حركة الإخوان المسلمين في العام 1928، وامتد هذا التعاون حتى اللحظة حيث تستضيف مقر التنظيم بعد حله في القاهرة في العام 2013، والتي كانت تمثل نقطة تمركز له منذ عقود طويلة.
إسرائيل فعلت نفس الشيء، ولكن من خلال دعم بعض القبائل والعشائر الموجودة في رفح جنوب غزة والتي سبق وتعاونت مع داعش في سيناء، فقبيلة الترابين لها امتداد في سيناء؛ الدعم هنا تم بالسلاح، بهدف القضاء على حركة حماس، وهي تفعل نفس الشيء، عندما دعمت حركة حماس في خلافها مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية على خلفية انقلاب الأولى في العام 2007، ثم فوجئت بهجوم 7 أكتوبر عام 2023.
دعم إسرائيل لمجموعة تنتمي لقبيلة الترابين وعددها يُقارب الثلاثمائة مقاتل، يمتلكون أسلحة يُواجهون بها حركة حماس، يفتح الباب أمام فوضى السلاح ويُعيد التنظيم إلى الواجهة بعد إعلان سقوطة واختفاء دولته في 22 مارس من العام 2019.
حيث تقوم هذا الميلشيا وفق بعض التقارير بالسيطرة على المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة، ثم بيعها بأضعاف سعرها، وتعلم تل أبيب أنّ هذه القبيلة نشطت في مجال تهريب السلع بتعاون مع "داعش" في الجزء الشمالي من سيناء في وقت سابق، وهو ما يُهدد أمن القاهرة من جانب وقد يُعيد إحياء التنظيم في المنطقة الحدودية.
إذا كانت الفوضى التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على مدار قرابة عامين وأدت إلى ظهور داعش والذي يُعد من أكثر التنظيمات تطرفًا في المنطقة العربية، فإن السياسات الإسرائيلية الأخيرة بدعم ميلشيات قريبة من داعش ومحسوبة عليها، سوف يُعزز وجود التنظيم وتناميه أيضًا.
كثير من الدول الكبرى غير جادة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، بل تقوم بإستخدام هذه التنظيمات كأداة استراتيجية لتحقيق مصالحها في المنطقة، وغالبًا تكون هذه المصالح إما سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، في حالة إسرائيل المصلحة تبدو عسكرية وهو القضاء على حركة حماس، وهو ما يُعني أنّ هذه الدول غير جادة في مواجهة جماعات العنف والتطرف، ولكن يتم استخدامها واستثمارها، حتى ولو أثر ذلك على أمن المنطقة والإقليم والعالم.
وهنا يمكن القول،: إنّ انتشار هذه التنظيمات له علاقة بالسياسات الدولية الرامية لدعم واستخدام واستثمار هذه التنظيمات، صحيح هذه التنظيمات نشطت في المنطقة العربية ولكن دعمها وتأييدها وسبب وجودها مرتبط بصورة كبيرة بالدول الكبرى ومنها إسرائيل التي تُعطيها ماء الحياة بعد أنّ فقدته.
دعم إسرائيل للعشائر بالسلاح يأتي متسقًا مع سياسات تل أبيب التي ترمي إلى دعم جماعات العنف والتطرف إما من خلال السياسات كما سبق ذكره، والحرب الدائرة على قطاع غزة مثالًا على ذلك، وإما من خلال الدعم العسكري بالسلاح لميلشيات مسلحة من أجل تحقيق أهداف عسكرية أيضًا منها القضاء على حماس، كما هو حادث الآن.
0 تعليق