زيارة ترمب.. فصل جديد من علاقات الطاقة الخليجية الأميركية (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • المملكة العربية السعودية والإمارات تتمتعان بمكانة رائدة بين أكبر منتجي النفط العالميين
  • • زيارة ترمب الأخيرة لمنطقة الخليج تشير إلى تطور أوسع في دبلوماسية الطاقة الأميركية
  • • الاتفاقيات الاستثمارية بين دول الخليج والولايات المتحدة تشمل الطاقة النووية والمتجددة والذكاء الاصطناعي
  • • السعودية التزمت باستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية للطاقة الأميركية

استهلت زيارة الرئيس دونالد ترمب الأخيرة للمنطقة فصلًا جديدًا من علاقات الطاقة الخليجية الأميركية التي تعود إلى عقود خلت.

في المدة من 13 إلى 16 مايو/أيار 2025، قام الرئيس الأميركي بجولة دبلوماسية مهمة في الشرق الأوسط، حيث زار المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وهي 3 من أكثر شركاء واشنطن نفوذًا في منطقة الخليج.

وبصفتها أول جولة خارجية متميزة للرئيس ترمب في ولايته الرئاسية الثانية، ركّزت الزيارة على تعزيز التعاون الاقتصادي والعلمي وفي مجال الطاقة، بدلًا من التركيز على الدبلوماسية السياسية التقليدية.

وفي ظلّ تطوّر اتجاهات الطاقة العالمية وتزايد المنافسة الجيوسياسية، أبرزت الزيارة الأدوار المتنامية لدول الخليج بصفتها جهات فاعلة مالية رئيسة، وشركاء إستراتيجيين، ومورّدي طاقة أساسيين في عالم متعدد الأقطاب.

منطقة الخليج ومصالح الطاقة الأميركية

تُعدّ منطقة الخليج حيوية لمصالح الطاقة الأميركية، إذ تحافظ دولة قطر على مكانتها مصدرًا رئيسًا للغاز المسال، وتتمتع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمكانة رائدة بين أكبر منتجي النفط العالميين.

من ناحية ثانية، سعت زيارة الرئيس ترمب عام 2025 إلى ترسيخ هذه العلاقات من خلال تأمين تعهدات استثمارية طويلة الأجل، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا النووية المدنية، والبنية التحتية للطاقة.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب- الصورة من رويترز

وتشير الاتفاقيات والإعلانات التي أسفرت عنها هذه الزيارة إلى تطور أوسع في دبلوماسية الطاقة الأميركية، يُعطي الأولوية للترابط الاقتصادي أداةً لتعزيز الشراكات الإستراتيجية.

ومن المتوقع أن تُشكّل هذه التطورات مستقبل علاقات الطاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، حيث تجمع بين المكاسب الاقتصادية المتبادلة والنفوذ الجيوسياسي المتزايد.

المملكة العربية السعودية

أدت زيارة ترمب إلى تعهُّد المملكة العربية السعودية باستثمار 600 مليار دولار على مدى 4 سنوات في الاقتصاد الأميركي، مع توجيه جزء منها نحو مشروعات متعلقة بالطاقة.

وتشمل هذه المشروعات التعاون في برنامج نووي مدني ومبادرة جديدة للبنية التحتية للطاقة بين وزارة الطاقة الأميركية ووزارة الطاقة السعودية، مع التركيز على الابتكار ونشر التكنولوجيا.

وتشير هذه التطورات إلى توسُّع كبير بالتعاون الثنائي في مجال الطاقة، لا سيما في قطاعي الطاقة النووية والمتجددة.

دولة قطر

على الرغم من عدم الإفصاح عن أيّ اتفاقيات طاقة مباشرة، فإن مكانة قطر بصفتها مصدرًا رئيسًا للغاز المسال تعني أن شراكتها الاقتصادية البالغة 1.2 تريليون دولار مع الولايات المتحدة لها آثار غير مباشرة في علاقات الطاقة.

وتعكس الصفقات عالية القيمة، مثل طلب شراء طائرات بقيمة 96 مليار دولار من بوينغ، قوة العلاقة الاقتصادية الأوسع.

الإمارات العربية المتحدة

أعلنت الإمارات العربية المتحدة خطة استثمارية بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، تغطي قطاع الطاقة بشكل صريح، إلى جانب قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق والتصنيع.

ويعزز هذا الالتزام، إلى جانب عقود تزيد قيمتها على 200 مليار دولار وُقِّعت خلال الزيارة -بما في ذلك صفقة بقيمة 14.5 مليار دولار تشمل شركتي بوينغ (Boeing) وجنرال إلكتريك للطيران (GE Aerospace)-، التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة في مجال الطاقة.

زيارة الرئيس ترمب لمجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأميركي
زيارة الرئيس ترمب لمجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأميركي- الصورة من نيويورك تايمز

أهمية الزيارة

كانت جولة دونالد ترمب في مايو/أيار 2025 في الخليج أول رحلة دولية متميزة له في ولايته الثانية، ما جعلها مهمة تركّز على الأعمال التجارية بدلًا من المشاركة الدبلوماسية التقليدية.

وتضمَّن برنامج الرحلة زيارات إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، مع تركيز واضح على إبرام صفقات تجارية واستثمارية وتكنولوجية واسعة النطاق.

ويرمز هذا النهج إلى أسلوب السياسة الخارجية "المعاملاتية" الذي ينتهجه ترمب، الهادف إلى الاستفادة من القدرة المالية لدول الخليج ــخصوصًا في قطاعي الطاقة والبنية الأساسيةــ لصالح الاقتصاد الأميركي.

علاقات الطاقة الأميركية السعودية

بصفتها منتجًا عالميًا رائدًا للنفط وشريكًا إستراتيجيًا راسخًا للولايات المتحدة، كانت المملكة العربية السعودية محورًا رئيسًا لزيارة الرئيس ترمب في مايو/أيار 2025، ما أسفر عن العديد من التطورات المهمة التي أثّرت مباشرةً بالتعاون في مجال الطاقة.

وتعهدت المملكة العربية السعودية باستثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي على مدى السنوات الـ4 المقبلة، مع إشارة ترمب لإمكان زيادة هذا المبلغ إلى تريليون دولار.

ورغم محدودية التفاصيل، فإن حجم الالتزام يشير إلى تمويل كبير موجّه للصناعات المرتبطة بالطاقة، إضافة إلى ذلك، تمّ التوصل إلى اتفاق رئيس بين وزارة الطاقة الأميركية ووزارة الطاقة السعودية لتعزيز الابتكار والتمويل وتنفيذ مشروعات البنية التحتية للطاقة.

وأُحرِز تقدُّم في برنامج الطاقة النووية المدنية السعودي، الذي يُتقدم الآن بشكل مستقل عن ارتباطه الأولي بمحادثات التطبيع مع إسرائيل.

الطاقة النووية في السعودية

وتُسلط الأرقام الاقتصادية والتجارية الضوء على متانة العلاقات الأميركية السعودية.

ففي عام 2024، بلغ حجم التجارة الثنائية في السلع 25.9 مليار دولار، مع تمتُّع الولايات المتحدة بفائض تجاري قدره 443 مليون دولار.

وبلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة 9.5 مليار دولار أميركي في عام 2023، وتركزت في قطاعَي النقل والعقارات.

ولتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، أُعلِن صندوق استثمار في الطاقة بقيمة 5 مليارات دولار أميركي لدعم مشروعات محددة.

على صعيد آخر، بلغت صادرات الولايات المتحدة من التقنيات المتعلقة بالطاقة، بما في ذلك توربينات الغاز التي توفرها شركة جنرال إلكتريك فيرنوفا (GE Vernova)، 14.2 مليار دولار أميركي، ما يؤكد توسُّع الشراكات التجارية والتكنولوجية في مجال الطاقة.

وتشير هذه المبادرات مجتمعةً إلى تعميق إستراتيجي للتعاون الأميركي السعودي في مجال الطاقة، لا سيما في مجال الطاقة النووية والطاقة المتجددة، بما يتماشى مع إستراتيجية التنويع الاقتصادي لرؤية المملكة العربية السعودية 2030.

علاقات الطاقة الأميركية القطرية

على الرغم من عدم إعلان أيّ اتفاقيات طاقة مباشرة خلال زيارة الرئيس ترمب إلى قطر في مايو/أيار 2025، فإن نطاق وحجم الالتزامات الاقتصادية والإستراتيجية التي تمّ التعهد بها يؤكدان على تعميق العلاقات المتعلقة بالطاقة.

وكان من أبرز هذه الاتفاقيات إطار عمل تاريخي للتبادل الاقتصادي بقيمة 1.2 تريليون دولار بين قطر والولايات المتحدة، يهدف إلى تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي المستدام.

وفي غياب الإشارة صراحةً إلى الطاقة، فإن مكانة قطر المهيمنة بكونها أكبر مُصدّر للغاز المسال في العالم تُشير بقوة إلى أن التعاون في مجال الطاقة ما يزال عنصرًا أساسيًا -وإن كان ضمنيًا- في هذه الشراكة الاقتصادية الأوسع.

واستكملت هذه الاتفاقيات اتفاقيات طيران ودفاع رئيسة، بما في ذلك صفقة بقيمة 96 مليار دولار للخطوط الجوية القطرية لشراء 210 طائرات بوينغ من طرازي 787 و777 إكس مزودة بمحركات شركة جنرال إلكتريك للطيران، إلى جانب تعهُّد باستثمار 38 مليار دولار لتوسيع قاعدة العديد الجوية.

ولا تقتصر هذه الخطوات على تعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية، بل تعزز التوافق الإستراتيجي الذي يدعم بشكل غير مباشر أمن الطاقة.

في المقابل، فإن توسيع الوجود العسكري الأميركي في قطر ــموطن أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسطــ يعزز الدور الحيوي الذي تؤديه قطر في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وهو شرط أساس لتدفقات الطاقة العالمية دون انقطاع.

محرك طائرة نفاثة من شركة جنرال إلكتريك للطيران
محرك طائرة نفاثة من شركة جنرال إلكتريك للطيران – الصورة من بلومبرغ

علاقات الطاقة الأميركية الإماراتية

قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة، المُصدّر الرئيس للطاقة والقوة الاقتصادية، التزاماتٍ كبيرةً بالاستثمارات المرتبطة بالطاقة، خلال زيارة الرئيس ترمب في مايو/أيار 2025.

تجدر الإشارة إلى أن الإمارات تعهدت باستثمار 1.4 تريليون دولار أميركي في الاقتصاد الأميركي على مدى السنوات الـ10المقبلة، مع التركيز على قطاعات الطاقة والذكاء الاصطناعي والرقائق والتصنيع المتقدم.

وشهدت الزيارة إعلان اتفاقيات تجارية تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار أميركي، بما في ذلك صفقة شراء طائرات بقيمة 14.5 مليار دولار أميركي من شركة الاتحاد للطيران (Etihad Airways) مع شركة بوينغ، ما يُشير إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون طويل الأمد.

ومن أبرز ما في الزيارة إطلاق "شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة"، التي تتضمن خططًا لإنشاء مجمع أكاديمي للذكاء الاصطناعي بقدرة 5 غيغاواط.

ورغم تركيزها على الابتكار التكنولوجي، فمن المتوقع أن تُحدِث هذه الشراكة تأثيرًا كبيرًا في قطاع الطاقة من خلال تعزيز كفاءة الطاقة، وتحسين أداء الشبكة، وتطوير البنية التحتية الذكية.

إلى جانب استثمارات الإمارات العربية المتحدة الحالية البالغة تريليون دولار أميركي داخل الولايات المتحدة، تُبرِز هذه المبادرة التكامل المتنامي بين الطاقة والتكنولوجيا الرقمية بصفتهما عنصرين أساسين في التعاون الثنائي.

وتتوافق هذه التطورات مع إستراتيجية الإمارات العربية المتحدة الأوسع للتنويع الاقتصادي، بينما تظل الطاقة عنصرًا حيويًا في محفظتها الاستثمارية.

وتواصل البلاد دعم البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، ومبادرات الطاقة النظيفة، وأنظمة الطاقة الرقمية التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي وإدارة الطاقة.

وفي الوقت نفسه، تُرسّخ هذه الجهود مجتمعةً مكانة الإمارات العربية المتحدة بصفتها شريكًا أساسيًا طويل الأمد للنهوض بقطاع الطاقة في الولايات المتحدة - من خلال الاستثمارات المالي والابتكار المشترك.

بدوره، يؤكد تركيز ترمب على الدبلوماسية القائمة على الأعمال التجارية هذا النهج، مستفيدًا من استثمارات الخليج لتعزيز مكانة الولايات المتحدة في ظل المنافسة العالمية من الصين وروسيا.

ومن ثم، فإن التزامات الإمارات العربية المتحدة تتميز بأنها اقتصادية وإستراتيجية، ما يؤثّر في المشهد الجيوسياسي المتطور لحوكمة الطاقة العالمية.

الخلاصة

شكّلت جولة الرئيس دونالد ترمب في مايو/أيار 2025، التي شملت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، نقطة تحول في إعادة رسم ملامح دبلوماسية الطاقة الأميركية في الشرق الأوسط.

وقد ركّزت الزيارة على تعهدات استثمارية ضخمة واتفاقيات طاقة مُركّزة، وأكدت القيمة الإستراتيجية الراسخة لمنطقة الخليج بالنسبة لأمن الطاقة الأميركي، والأولويات الاقتصادية، والإستراتيجية الجيوسياسية.

من جانبها، برزت المملكة العربية السعودية حجر زاوية في هذا الجهد، حيث التزمت باستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية للطاقة الأميركية، وأعادت إحياء التعاون في المشروعات النووية المدنية.

وأكدت الإمارات العربية المتحدة على دورها بصفتها شريكَة طاقة رائدة، من خلال ربط الاستثمارات المالية الكبرى بالابتكار التكنولوجي.

ورغم أن دولة قطر لم تُبرم صفقات طاقة محددة، فإن شراكتها الاقتصادية الشاملة مع الولايات المتحدة ودورها الرائد في أسواق الغاز المسال العالمية أكدا أهميتها بكونها جهة معنية رئيسة في مجال الطاقة.

ويعكس هذا النهج المُركّز على الاستثمار سياسة ترمب الخارجية الأوسع نطاقًا القائمة على المعاملات، إلّا أن آثاره تمتد إلى ما هو أبعد من الاقتصاد.

ومن خلال تعميق العلاقات في مجال الطاقة والتكنولوجيا، تُعزز الولايات المتحدة مرونة مواردها من الطاقة، بل تُرسّخ نفوذها الإستراتيجي في منطقةٍ تشتد فيها المنافسة من مبادرة الحزام والطريق الصينية وتوسّع روسيا في مجال الطاقة.

خلاصة القول، تعكس الزيارة تحوّلًا أوسع في التفاعل الأميركي مع الخليج، وهو تحوّلٌ يضع التعاون في مجال الطاقة، ونقل التكنولوجيا، وتدفقات رأس المال، أدواتٍ إستراتيجية.

ويَعِدُ تعزيز علاقات الطاقة هذه بفوائد طويلة الأجل لتنويع مصادر الطاقة الأميركية، وأمنها الاقتصادي، وموقعها الجيوسياسي العالمي.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق